ـ الرسول وفرار يهود خيبر أرضها
* عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر حتى ألجأهم إلى قصرهم ، فغلب على الأرض والزرع والنخل ،فصالحوه على أن يجلوا منها ولهم ما حملت ركابهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء ، ويخرجون منها ، واشترط عليهم ألا يكتموا ولا يغتبوا شيئا ، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد .
فغيبوا مسكاً فيه مال وحلي لحيي بن أخطب ، وكان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ : " ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير " ؟ فقال : أذهبته النفقات والحروب .فقال : " العهد قريب والمال أكثر من ذلك" فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الزبير فمسه بعذاب ، وقد كان حيي قبل ذلك دخل خربة ، فقال : قد رأيت حيياً يطوف في خربة هاهنا . فذ هبوا فطافوا وفوجدوا المسك في الخربة .
فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابني أبي الحقيق ، وأحدهما زوج صفية بنت حيي بن أخطب وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤهم وذراريهم وقسم أموالهم بالنكث الذي نكثوا .
وأراد إجلاءهم منها ، فقالوا : يا محمد دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها . ولم يكن لرسول الله ولا لأصحابه غلال يقومون عليها ، وكانوا لا يفرغون أن يقوموا عليها ، فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع ونخيل وشيء ، ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكان عبد الله بن رواحة يأتيهم كل عام فيخرجها عليهم ، ثم يضمنهم الشطر ، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة خرصه ، وأرادوا أن يرشوه فقال: يا أعداء الله تطعموني السحت ! والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلى ، ولأنتم أبغض إلى من عدتكم من القردة والخنازير ، ولا يحملني بغضي إياكم وحبي إياه على أن لا أعدل عليكم .
فقالوا : بهذا قامت السموات والأرض !
قال : فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعين صفية خضرة ، فقال : " ياصفية ماهذا الخضرة " ؟ فقالت : كان رأسي في حجر ابن أبي الحقيق وأنا نائمة ، فرأيت كأن قمراً وقع في حجري ، فأخبرته بذك فلطمني وقال : تتمنين ملك يثرب .
قالت : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبغض الناس إلى ، قتل زوجي وأبي فما زال يعتذر إلي ويقول : " إن أباك ألب علي العرب وفعل ما فعل " ، حتى ذهب ذلك من نفسي
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي كل امرأة من نسائه ثمانية وسقاً من تمر كل عام وعشرين وسقاً من شعير ، فلما كان في زمن عمر غشوا المسلمين وألقوا ابن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه ، فقال عمر : من كان له سهم بخيبر فليحضر حتى نقسمها . فقسمها . بينهم . فقال رئيسهم : لا تخرجنا دعنا نكون فيها كما أقرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر . فقال عمر : أتراني سقط علي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كيف بك إذا وقصت بك راحلتك نحوالشام يوماً ثم يوماً ثم يوماً ثم يوماً " .
وقسمها عمر بين من كان شهد خيبر من أهل الحديبية .
درجة الحديث .
صححه ابن حبان ، وهو كذلك إن صدق ظن حماد .
غريب القصة :
ـ يجلوا : أي يرحلوا .
ـ الصفراء والبيضاء : الذهب والفضة .
ـ مسكا : الجلد .
ـ النكث : نقض العهد .
ـ خرصة : حزرما عليهم من الرطب والعنب وغير ذلك .
ـ فدعوا يديه : الفدع أعوجاج الرسغ من اليد أو الرجل .
ـ وقصت : أسرعت
الفوائد والعبر :
1- جواز المساقاة والمزارعة بجزء مما يخرج من الأرض من ثمر أو زرع ، كما عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على ذلك ، واستمر ذلك إلى حين وفاته لم ينسخ البتة ، واستمر عمل خلفاته الراشدين عليه ، وليس هذا من باب المؤاجرة في شيء ، بل من باب المشاركة ، وهو نظير المضاربة سواء ، فمن أباح المضاربة، وحرم ذلك . فقد فرق بين متماثلين .
2- أنه دفع إليهم الأرض علىأن يعملوها من أموالهم ، ولم يدفع إليهم البذر ، ولا كان يحمل إليهم البذر من المدينة قطعا ، فدل علىأن هديه عدم اشتراط كون البذر من رب الأرض وأنه يجوز أن يكون من العامل . وهذا كان هدي خلفائه الراشدين من بعده ، وكما أنه هو المنقول ، فهو الموافق للقياس ، فإن الأرض بمنزلة رأس المال في القراض ، والبذر يجري مجرى سقي الماء . ولهذا يموت في الأرض ، ولا يرجع إلى صاحبه ، ولو كان بمنزلة رأس مال المضاربة لاشترط عدوه إلى صاحبه ، وهذا يفسد المزارعة، فعلم أن القياس الصحيح هو الموافق لهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين في ذلك . والله أعلم .
3- خرص الثمار على رؤوس النخل وقسمتها كذلك ، وأن القسمة ليست بيعا .
4- الأكتفاء بخارص واحد ، وقاسم واحد .
5- جواز عقد المهادنة عقدا جائزا للإمام فسخه متى شاء .
6- جواز تعليق عقد الصلح والأمان بالشرط ، كما عقد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرط أن لا يغيبوا ولا يكتموا .
7- جواز تقرير أرباب التهم بالعقوبة ، وأن ذلك من الشريعة العادلة لا من السياسة الظالمة .
8- الأخذ في الأحكام بالقرائن والأمارات ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لكنانة : " المال كثير والعد قريب ، فاستدل بهذا على كذبه في قوله : أذهبته الحروب والنفقة .
9- إن من كان القول قوله إذا قامت قرينه على كذبه ، لم يلتفت إلى قوله ، ونزل منزلة الخائن .
10- إن أهل الذمة إذ خالفوا شيئا مما شرط عليهم ، لم يبق لهم ذمة . وحلت دماؤهم وأموالهم ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لهؤلاء الهدنة ، وشرط عليهم أن لا يغيبوا ولا يكتموا ، فإن فعلوا حلت دماؤهم وأموالهم ، فلما لم يفوا بالشرط ، استباح دماءهم وأموالهم ، وبهذا اقتدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في الشروط التي اشترطها علىأهل الذمة ، فشرط عليهم أنهم متى خالفوا شيئا منها ، فقد حل له منهم ماحل يحل من أهل الشقاق والعداوة .
11- إن الإمام مخير في أرض العنوة بين قسمتها وتركها ، وقسم بعضها ، وترك بعضها .
12- جواز إجلاء أهل الذمة من دار الإسلام إذا استغني عنهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " نقركم ما أقركم الله " وقال لكبيرهم " كيف بك إذا رقصت بك راحلتك نحو الشام يوما ثم يوماً " وأجلاهم عمر بعد موته صلى الله عليه وسلم . وهو مذهب محمد بن جرير الطبرى ، وهو قول يسوغ العمل به إذا رأى الإمام فيه المصلحة .
13- جواز عتق الرجل أمته ، وجعل عتقها صداقا لها ، ويجعلها زوجته بغير إذنها ، ولا شهود ، ولا ولي غيره ، ولا لفظ إنكاح ولا تزويج .
14- جواز بناء الرجل بامرأته في السفر ، وركوبها معه على دابة بين الجيش .